- فصل في شروط صحة الطواف وسننه
أولاً : شروط صحة الطواف :
يشترط لصحة الطواف أحد عشر شرطاً لابد من الإتيان بها وإلا بطل الطواف، وهي على النحو التالي :
الأول : الإسلام : فلا يصح الطواف من الكافر ؛ لأنه ليس من أهل العبادة .
الثاني : النية ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إِنَّما الأَعْمالُ بِالنِّيَّاتِ) [رواه البخاري ومسلم]
الثالث : العقل ؛ فلا يصح الطواف من المجنون ؛ لأنه لا نية له .
الرابع : دخول وقت الطواف ؛ فلابد أن يوقع طواف الإفاضة – وهو الركن - في وقته , ووقته كما مرَّ يبدأ من منتصف ليلة النحر لمن وقف بعرفة , وإلا فبعد الوقوف .
الخامس: ستر العورة ؛ لحديث (... وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ ) [رواه البخاري ومسلم] .
السادس والسابع: اجتناب النجاسة, والطهارة من الحدث الأصغر والأكبر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (الطَّوَافُ حَوْلَ البَيْتِ مِثْلُ الصَّلاةِ، إِلاَّ أَنَّكُم تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ، فَمَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ فَلا يَتَكَلَّمَنَّ إِلاَّ بِخَيرٍ) [رواه الترمذي والبيهقي] . فجعل الطواف مثل الصلاة, والصلاة يشترط لها الطهارة من الحدثين واجتناب النجاسة لبدنه وثوبه , فكذلك في الطواف . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة لما حاضت في الحج : (افْعَلِي كَمَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي ) [رواه البخاري ومسلم] .
الثامن: أن يطوف سبعة أشواط ؛لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف سبعاً وقال: ( يَا أَيُّها النَّاسُ خُذُوا مَنَاسِكَكُم فَإِنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجُّ بَعْدَ عَامِي هَذَا ) [رواه مسلم والنسائي واللفظ له] . فلو طاف أقل من سبعة أشواط فطوافه غير صحيح .
ولابد أن يكون الطواف بجميع البيت وإلا كان الطواف غير صحيح ؛ لقول الله تعالى : ﴿وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: 29] . وهذا يقتضي الطواف بجميعه .
- والْحِجْرِ من البيت ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : ( سَأَلْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحِجْرِ أَمِنَ الْبَيْتِ هُوَ؟ قَالَ : نَعَمْ ) [رواه البخاري ومسلم واللفظ له] .
التاسع : أن يجعل البيت عن يساره أثناء الطواف ؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر الطويل في وصف حجته عليه الصلاة والسلام, وقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : (يَا أَيُّها النَّاسُ خُذُوا مَنَاسِكَكُم فَإِنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجُّ بَعْدَ عَامِي هَذَا ) .
العاشر : أن يطوف ماشياً إذا كان قادراً على المشي ؛ فلو طاف راكباً لغير عذرٍ فطوافه غير صحيح ؛ لأن الطواف بالبيت صلاة كما سبق. أما إذا طاف راكباً لعذرٍ فطوافه صحيح ؛ لحديث أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: ( شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أَشْتَكِي. قَالَ: طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ ) [رواه البخاري ومسلم] .
الحادي عشر : الموالاة في الطواف ؛ وذلك بأن يوالي بين الأشواط السبعة فلا يفصل بينها ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف كذلك وقد قال : ( خُذُوا مَناسِكَكُم) . فلو ترك المولاة بين أشواط الطواف فطوافه غير صحيح , وعليه أن يعيد الطواف .
إلا إذا كان الفصل يسيراً عُرْفاً أو أقيمت الصلاة أو حضرت جنازة أثناء الطواف فإنه يصلي ثم يكمل طوافه ولا يستأنفه من جديد ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَلاَ صَلاَةَ إِلاَّ المَكْتُوبَةُ) [رواه مسلم] . والطواف صلاة فيدخل تحت عموم هذا الحديث .
- إذ أَحْدَث أثناء الطواف فعليه أن يقطع الطواف ثم يتطهر ويبتدئ الطواف من جديد ؛ لأن الطهارة شرط لصحته كالصلاة كما سبق , فإذا أحدث فقد بطل الطواف .
ثانياً : سنن الطواف :
يسن في الطواف ما يلي :
أ - استلام الحجر الأسود - أي مسحه باليد - وتقبيله ؛ لحديث نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: (كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لاَ يَدَعُ أَنْ يَسْتَلِمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِىَ وَالْحَجَرَ فِى كُلِّ طَوْفَةٍ .قَالَ- نافع- وَكَانَ عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ) [رواه أبو داود] .
وأما التقبيل ؛ فلما ثبت عن عمر رضي الله عنه (أَنَّهُ جَاءَ إِلَى الحَجَرِ فَقَبَّلَهُ فَقَالَ: إِنِّى أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لاَ تَنْفَعُ وَلاَ تَضُرُّ، وَلَوْلاَ أَنِّى رَأَيْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ) [رواه أبو داود] .
فإن شقَّ عليه تقبيله , استلمه بيده وقبَّل يده ؛ لما رواه نافع قَالَ : (رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَسْتَلِمُ الحَجَرَ بِيَدِهِ ثُمَّ قَبَّلَ يَدَهُ، وَقَالَ : مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ) [رواه مسلم] .
فإن شقَّ استلامه بيده فإنه يشير إليه بيده أو بعصا دون تقبيل لليد أو للعصا ؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما ( أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ طَافَ بِالْبَيْتِ وَهُوَ عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ وَكَبَّر ) [رواه البخاري] .
ب- استلام الركن اليماني دون تقبيله ؛ لحديث ابن عمر السابق (كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لاَ يَدَعُ أَنْ يَسْتَلِمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِىَ وَالْحَجَرَ فِى كُلِّ طَوْفَةٍ ) . وأما تقبيله : فلم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا يُسنُّ . قاله ابن قدامة .
ج- الاضطباع : مأخوذ من الضبع وهو عضد الإنسان , وهو تعرية المنكب الأيمن وجمع الرداء على الأيسر؛ وذلك لحديث يعلى بن أمية رضي الله عنه (أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ طَافَ بالْبَيْتِ مُضْطَبِعًا وعليه بُرْد ) [رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة] . فإذا فرغ من الطواف أعاد إحرامه إلى هيئته الطبيعية .
د - الرَّمَل : وهو إسراع المشي مع تقارب الخُطَى بلا وثب . ويكون ذلك في الأشواط الثلاثة الأولى فقط أما الأربعة الأخيرة فيمشي فيها؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قَالَ : ( رَمَلَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنَ الحَجَرِ إِلَى الحَجَرِ ثَلاَثًا وَمَشَى أَرْبَعًا ) [رواه مسلم] .
- الرَّمَل والاضطباع مُستحَبَّان لغير أهل مكة في طواف القدوم والعمرة - لمن حجَّ متمتعاً - فقط دون غيرهما من المناسك ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إنما اضْطَبَعوا ورَمَلوا فيهما فقط . ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرْمُلْ فِى السَّبْعِ الَّذِي أَفَاضَ فِيهِ ) [رواه أبو داود وابن ماجة] .
هـ - صلاة ركعتين بعد الطواف : فيُسنُّ للطائف أن يصلي ركعتين بعد فراغه من الطواف , ويستحب أن يركعهما خلف المقام ؛ لقوله تعالى : ﴿ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ﴾ [البقرة : 125] . ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما (قَدِمَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، ثُمَّ صَلَّى خَلْفَ اْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ ...) [رواه البخاري] . ويستحب أن يقرأ فيهما : ﴿قل يا أيها الكافرون﴾ في الأولى , و﴿قل هو الله أحد﴾ في الثانية ؛ لحديث جابر الطويل في وصف حجة النبي صلى الله عليه وسلم (كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِى الرَّكْعَتَيْنِ بِـ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) وَبِ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)) [رواه البخاري مسلم واللفظ له].
|