1) تعريفُ الاعْتِكافِ:
هو: لزومُ المسجدِ لطاعةِ اللهِ عز وجل على صفةٍ مخصوصةٍ منْ مسلمٍ عاقلٍ، طاهرٍ ممّا يوجبُ غُسلاً.
2) حُكمِ الاعتكافِ:
الاعتكافُ مستحبٌّ في كلِّ وقتٍ، وهو في رمضانَ آكدُ؛ خصوصاً في العشرِ الأواخرِ؛ لحديثِ عائشةِ رضي اللهُ عنها: « أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ » [متفق عليه].
ويجبُ الاعتكافُ بالنَّذْرِ؛ لحديثِ ابنِ عمرَ رضي الله عنهما: « أَنَّ عُمَرَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي نَذَرْتُ فِي الجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ. قَالَ: أَوْفِ بِنَذْرِكَ » [رواه البخاريّ].
قال الإمامُ ابنُ المنذرِ في (الإجماع) (ص/49): « وَأَجمعُوا على أنّ الاعتكافَ لا يجبُ على النّاسِ فرضاً إلّا أن يُّوجبَه المرءُ على نفسِهِ؛ فيجبُ عليهِ ».
3) شروطُ صحّةِ الاعتكافِ:
شروطُ صحّتِهِ سبعةُ أشياءَ:
1- النيّةُ.
2- الإِسلامُ.
3- العقلُ.
4- التّمييزُ.
كما هو الشّأنُ في سائرِ العباداتِ؛ فلا يصحُّ من كافرٍ، ولا مجنونٍ، ولا طفلٍ؛ لعدمِ النيّةِ المعتبرةِ شرعاً.
5- عدمُ ما يوجبُ الغسلَ: لقولِه صلى الله عليه وسلم : « لا أُحِلُّ الَمسْجِدَ لِجُنُبٍ، وَلا حَائِضٍ » [رواه أبو داود، وصحّحه ابن خزيمة، وضعّفه جماعةٌ]. فلا يصحُّ من جنبٍ ولو متوضّئاً.
6- كونُ الاعتكافِ بمسجدٍ: لقولِه عز وجل: ﴿ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي المَسَاجِدِ ﴾ [البقرة: 187]. فلا يصحُّ بغيرِ مسجدٍ؛ باتّفاقِ العلماءِ.
7- أن يَّكونَ المسجدُ ممّا تقامُ فيهِ الجماعةُ؛ في حقِّ منْ تلزمُه الجماعةُ؛ لئلّا يتركَ الجماعةَ، وهي واجبةٌ عليهِ، أو يتكرّرُ منه الخروجُ المنافِي للاعتكافِ، وهو يمكنه التّحرُّزُ منه.
* ما يدخلُ فيِ المسجدِ:
1- يدخلُ فيِ المسجدِ ما زِيدَ فيهِ؛ حتّى في الثّوابِ؛ كالمسجدِ الحرامِ، ومسجدِ المدينةِ أيضاً لعمومِ الحديثِ: « صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا المَسْجِدَ الحَرَامَ » [متّفق عليه].
2- سَطْحُهُ؛ لعمومِ الآيةِ: ﴿ فِي المَسَاجِدِ ﴾.
3- رَحْبَتُهُ المَحُوطَةُ؛ لأنّها معَهُ، وهي تابعةٌ لهُ.
4- منارتُهُ الّتِي هيَ أو بابُها في المسجِدِ؛ لأنّها في حكمِهِ، وهي تابعةٌ لهُ.
* نذرُ الاعتكافِ في مسجدٍ معيّنٍ:
منْ نذَرَ الاعتكافَ بمسجدٍ معيّنٍ غيرِ المساجدِ الثّلاثةِ (المسجد الحرام، والنّبويّ، والأقصى): لم يتعيّنْ، ويخيّرُ بين الاعتكافِ بهِ أو بغيرِهِ؛ لأنّ اللهَ تعالى لمْ يعيّنْ لعبادتِهِ مكاناً؛ فلمْ يتعيّنْ بالنّذرِ؛ كمنْ نذَرَ صلاةً بغيرِ المساجدِ الثلاثةِ.
ومن نذر اعتكافاً في أحدِ المساجدِ الثّلاثةِ لم يجزِئْهُ في غيرِهِ إلّا أن يّكونَ أفضلَ منهُ؛ فمن نذرَ فِي المسجدِ الحرامِ لمْ يجزِئْهُ غيرُهُ، ومنْ نذَرَ في مسجدِ المدينةِ أجزأَهُ فيهِ وفيِ المسجدِ الحرامِ ومنْ نذَرَ فيِ الأقصى أجزأَهُ في الثلاثةِ؛ لحديث جابر رضي الله عنه : « أَنَّ رَجُلاً قَامَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي نَذَرْتُ لِله إِنْ فَتَحَ اللهُ عَلَيْكَ مَكَّةَ أَنْ أُصَلّيََ فِى بَيْتِ المَقْدِسِ رَكْعَتَيْنِ. قَالَ : صَلِّ هَا هُنَا. ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ؛ فَقَالَ: صَلِّ هَا هُنَا. ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ؛ فَقَالَ: شَأْنَكَ إِذًا » [رواه أبو داود].
4) مبطلاتُ الاعتكافِ:
أ- الخروجُ منَ المسجدِ لغيرِ عُذْرٍ؛ لحديثِ عائشة رضي الله عنها قالت: « كَانَ -تعني: النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لاَ يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلاَّ لِحَاجَةِ إِذَا كَانَ مُعْتَكِفًا » [متّفق عليه]. وقولِها: « السُّنَّةُ عَلَى المُعْتَكِفِ أَنْ لاَ يَعُودَ مَرِيضًا، وَلاَ يَشْهَدَ جَنَازَةً، وَلاَ يَمَسَّ امْرَأَةً وَلاَ يُبَاشِرَهَا، وَلاَ يَخْرُجَ لِحَاجَةٍ إِلاَّ لِمَا لاَ بُدَّ مِنْهُ » [رواه أبو داود]. وإذا خرَجَ ناسياً لم يبطُلْ.
ب- نيّةُ الخروجِ من المسجدِ، ولَوْ لمْ يخرُجْ؛ لقولِه صلى الله عليه وسلم: « إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ » [متّفق عليه].
ج- الوطءُ فِي الفرجِ ولو ناسياً؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ﴾ [البقرة: 187]. وإذا حرُمَ الوطءُ في عبادةٍ أفسدَها؛ كالصّومِ والحجِّ.
د- الإنزالُ بالمباشرةِ دونَ الفَرْجِ؛ لعمومِ الآيةِ السّابقةِ.
هـ- الرِّدَّةُ؛ لقولِه تعالى: ﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ﴾ [الزمر:65].
و- السُّكْرُ؛ لخروجِ السَّكرانِ عن كونِهِ منْ أهلِ العبادةِ.
* حكمُ الاعتكافِ إذا فسَد:
إذا بطلَ الاعتكافُ بخُروجٍ ونحوِهِ؛ فلا يخلُو من أن يكونَ تطوّعاً أو نذراً:
فإنْ كانَ الاعتكافُ تطوّعاً: خُيّرَ بين الرجوعِ وعدمِهِ؛ لعدمِ وجوبِ الاعتكافِ بالشُّروعِ فيهِ.
وإن كانَ الاعتكافُ نذراً؛ فلا يخلُو من أحدِ ثلاثةِ أحوالٍ:
الأوّلُ: أن يكونَ النّذرُ غيرَ متتابعٍ ولا مقيّدٍ بزمنٍ؛ كنذرِ عشرةِ أيّامٍ مع الإطلاقِ؛ فهذا لا يلزمُهُ قضاءٌ إلاّ اليوم الّذي أفسده، ويُتمُّ ما بقيَ عليهِ من الأيّامِ؛ محتسباً بما مضى، ولا كفّارةَ عليهِ؛ لأنّه أتى بالمنذورِ على وجهِهِ.
الثّاني: أن يكونَ النّذرُ متتابعًا غيرَ مقيّدٍ بزمنٍ؛ كأن يّقولَ: « لله عليّ أن أعتكفَ عشرةَ أيّامٍ متتابعةٍ»
-فاعتكفَ بعضَها، ثمّ خرج مثلاً-؛ فيخيّرُ بين البناءِ على ما مضى؛ بأن يقضيَ ما بقِيَ من الأيامِ فقط، وعليهِ كفارةُ يمينٍ؛ جبراً لفواتِ التّتابعِ، أو استئنافِ الاعتكافِ من جديد، ولا كفارةَ عليهِ؛ لأنّه أمكنَهُ الإتيانُ بالمنذورِ على وجهِهِ؛ فلمْ يلزمْهُ شيءٌ.
الثّالثُ: أن يكونَ النّذرُ مقيّداً بزمنٍ معيّنٍ-كالعشرِ الأواخرِ من رمضانَ-؛ فعليهِ قضاءُ ما تركَ بعد رمضانَ؛ ليأتيَ بالواجبِ، وعليه كفارةُ يمينٍ؛ لتركِهِ فعلَ المنذورَ في وقتِهِ.
5) ما يُباحُ للمعتكفِ ، ولا يُبطِلُ الاعتكافَ:
أ- الخروجُ من المسجد لبولٍ، أو غائطٍ، أو طهارةٍ واجبةٍ، أو لإزالةِ نجاسةٍ، أو لجمعةٍ تلزمُهُ، ولا قضاءَ لزمنِ خروجِهِ، ولا كفارةَ عليهِ.
ب- الخروجُ للإتيانِ بمأكلٍ أو مشربٍ؛ لعدمِ من يأتيهِ بهِ؛ لأنّ ذلك لا بُدَّ له منهُ؛ فيدخلُ في عمومِ الحديثِ السّابقِ: « كَانَ لاَ يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلاَّ لِحَاجَةِ إِذَا كَانَ مُعْتَكِفًا ».
ج- يجوزُ للمعتكفِ أن يّسألَ عنِ المريضِ وغيرِهِ فِي طريقِهِ؛ دونَ أن يّقفَ؛ لقولِ عائشةَ رضي اللهُ عنها: « إِنْ كُنْتُ لأَدْخُلُ الْبَيْتَ لِلْحَاجَةِ وَالمَرِيضُ فِيهِ فَمَا أَسْأَلُ عَنْهُ إِلاَّ وَأَنَا مَارَّةٌ » [متّفق عليه].
د- يجوزُ للمعتكفِ إذا خرجَ لعذرٍ أن يّمشيَ على عادتِهِ منْ غيرِ عجلةٍ؛ لأنّ ذلكَ يشقُّ عليهِ.
6) الاعتكافُ مدّةَ اللُّبثِ في المسجدِ:
يستحبُّ لمن قصدَ المسجدَ أن ينويَ الاعتكافَ مُدَّةَ لُبثِهِ فيهِ؛ لا سيّما إنْ كانَ صائماً.
|