إدارة الإفتاء

كِتَابُ الصِّيَامِ

كِتَابُ الصِّيَامِ

  • كِتَابُ الصِّيَامِ

1- تعريفُ الصِّيامِ:

هو إمساكٌ بنيّةٍ عن أشياءَ مخصوصةٍ، في زمنٍ مخصوصٍ، مِنْ شخصٍ مخصوصٍ.

والمرادُ بالأشياءِ المخصوصةِ: مفسداتُه الآتي بيانُها. وبالزّمنِ المخصوصِ: مِنْ طلوعِ الفجرِ الثّانِي إلى غروبِ الشّمسِ. وبالشّخصِ المخصوصِ: المسلمُ العاقلُ غيرُ الحائضِ والنُّفَساءِ.

2- حكمُهُ:

صومُ شهرِ رمضانَ فرضٌ؛ لقول الله عز وجل: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ( [البقرة: 183]، وهو أحدُ أركانِ الإسلامِ، ومبانيهِ العظامِ؛ لحديثِ ابنِ عمرَ رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ » [متّفقٌ عليه، واللّفظ للبخاريّ]. وقد فُرضَ الصِّيامُ في السّنةِ الثانيةِ من الهجرةِ النبويّةِ.

3- متى يجبُ صومُ رمضانَ؟

يجبُ صومُ رمضانَ على جميعِ المسلمينَ والمسلماتِ برؤيةِ هلالِهِ؛ لقولِهِ تعالى: )فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ( [البقرة: 185]، وقولِه صلى الله عليه وسلم: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» [متفق عليه]. أوبكمالِ شعبانَ ثلاثينَ؛ قال شمسُ الدينِ ابنُ قدامة في (الشرح الكبير) (3/4): « كمالُ شعبانَ ثلاثينَ يوماً يجبُ به الصومُ؛ لأنّه يُتيقّنُ به دخولُ شهرِ رمضانَ؛ ولا نعلمُ فيه خلافاً ».

4- صومُ يومِ الشّكّ:

يجبُ الصومُ احتياطاً بنيّةِ رمضانَ على من حالَ دونهُم ودونَ مطلعِ الهلالِ غيمٌ أو قَتَرٌ-أي: غبارٌ- ليلةَ الثلاثينَ من شعبانَ؛ لحديثِ ابنِ عمرَ رضي الله عنهما مرفوعاً: «إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا؛ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» [متفق عليه]؛ يعني: ضيّقُوا له العِدّةَ؛ من قوله: ) وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ( [الطلاق: 7]؛ أي ضُيِّق عليه، وتضييقُ العدّةِ له أن يحسبَ شعبانُ تسعةً وعشرين يوماً.

قال نافعٌ: « فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا كَانَ شَعْبَانُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ نُظِرَ لَهُ؛ فَإِنْ رُئِيَ فَذَاكَ، وَإِنْ لَمْ يُرَ وَلَمْ يَحُلْ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ وَلاَ قَتَرَةٌ أَصْبَحَ مُفْطِرًا؛ فَإِنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ أَوْ قَتَرَةٌ أَصْبَحَ صَائِمًا ». وابنُ عمر هو راوي الحديثِ، وعملُه بهِ تفسيرٌ لهُ.

وعن الإمامِ أحمدَ روايةٌ أخرى: أنّه لا يجبُ الصومُ إذا حالَ دون رؤيةِ هلالِ رمضانَ غيمٌ أو قَتَرٌ؛ قال المرداويُّ في الإنصافِ (3 / 269-باختصار):

« وَعَنْهُ: لا يَجِبُ صَوْمُهُ قبل رُؤْيَةِ هِلالِهِ، أو إكْمَالِ شَعْبَانَ ثَلاثِينَ.

وَرَدَّ صَاحِبُ (الْفُرُوعِ)-ابنُ مُفلح- جَمِيعَ ما احْتَجَّ بِهِ الأَصْحَابُ لِلْوُجُوبِ، وقال: لم أَجِدْ عن أَحْمَدَ قَوْلاً صَرِيحًا بِالْوُجُوبِ، وَلا أَمَرَ بِهِ؛ فَلا يَتَوَجَّهُ إضَافَتُهُ إلَيْهِ ».

ونقلَ قبلَ كلامِ ابنِ مفلحٍ قولَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ ابنِ تيمية: « هذا مَذْهَبُ أَحْمَدَ الْمَنْصُوصُ الصَّرِيحُ عنه. وقال: لا أَصْلَ لِلْوُجُوبِ في كَلامِ الإِمَامِ أَحْمَدَ، وَلا في كَلامِ أَحَدٍ من الصّحابةِ».

- ما يترتّبُ على القولِ بوجوبِ صيامِهِ:

يترتّبُ على القولِ بوجوبِ صومِ يومِ الشّكِّ إذا حالَ دون رؤيةِ الهلالِ حائلٌ ما يلي:

1- يُجزئُ صيامُ هذا اليومِ إنْ ظَهَر أنّه منْ رمضانَ؛ بأن ثبتتْ رؤيةُ الهلالِ بموضعٍ آخرَ؛ لأنّ صيامَهُ وقعَ بِمُستنَدٍ شرعيٍّ.

2- تُصَلّى التراويحُ ليلتَهُ احتياطاً للقِيامِ؛ الّذي ورد الحثُّ عليه في قولِه صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» [متّفق عليه].

3- تثبتُ تبعاً لوجوبِ صومِهِ بقيّةُ توابعِ الصّومِ؛ كوجوبِ الكفّارة على من وطئَ امرأتَه فيهِ، ووجوبِ الإمساكِ على من لمْ يبيّتِ النيّةَ، أو قدمَ من سفرٍ، ونحوِ ذلكَ؛ إلاَّ أن يُّتحقّقَ أنّ اليومَ من شعبانَ.

4- لا تثبتُ بقيّةُ الأحكامِ الشهريّةِ؛ فلا يحلُّ دينٌ مؤجّلٌ بدخولِهِ، ولا يقعُ طلاقٌ وعتقٌ معلَّقين بهِ، ونحو ذلك؛ عملاً بالأصلِ الّذي خولفَ في رمضانَ احتياطاً للعبادةِ.

5- إثباتُ رؤيةِ الهلالِ:

تثبتُ رؤيةُ هلالِ رمضانَ بخبرِ مسلمٍ مُكلَّفٍ عَدْلٍ - ولو كان عبداً أو أنثى-؛ لحديثِ ابنِ عمرَ رضي اللهُ عنهما قال: « تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلاَلَ فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنِّي رَأَيْتُهُ فَصَامَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ » [رواه أبو داود].

وتثبتُ بشهادةِ الواحدِ بقيّةُ الأحكامِ الشّهريّةِ؛ تبعاً للصِّيامِ.

ولا يقبلُ في بقيّةِ الشُّهورِ-كشوّالٍ وغيرِه- إلاَّ رجلانِ عَدْلانِ بلفظِ الشّهادةِ؛ لقولِهِ صلى الله عليه وسلم: « صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، وانْسِكُوا لها؛ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا ثَلاثِينَ؛ فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا » [رواه النّسائيّ]. ولما رُوي عن ابن عمرَ وابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما أنّهما قالا: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لا يُجِيزُ عَلَى شَهَادَةِ الإِفْطَارِ إِلاَّ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ » [رواه البيهقيُّ، وضعّفه]، وفارقَ هلالُ رمضانَ بقيّةَ الشّهورِ؛ لما فيه منَ الاحتياطِ للعبادةِ.

وزارة الاوقاف و الشؤون الاسلامية - دولة الكويت - إدارة الإفتاء