أولاً : مذهب الحنفية :
يرى الحنفية أنه لا يجوز للوكيل أن يبيع شخصاً غير الذي نص عليه الموكل مطلقاً ، إلا أن كانت المخالفة في حالة أنفع في حق الموكل .
وعللوا ذلك المنع بأن الموكل قد يكون له غرض في تمليك المبيع للشخص المنصوص عليه دون غيره، وعليه فيكون الإذن في البيع لذلك المعين ليس إذناً في البيع لغيره .
جاء في مجلة الأحكام (المادة 1479) : « إذا قيدت الوكالة بقيد فليس للوكيل مخالفته ، فإن خالف لا يكون شراؤه نافذاً في حق الموكل ، ويبقى المال الذي اشتراه له ، ولكن إن خالف لصورة فائدتها أزيد في حق الموكل فلا تعد مخالفة معنى ... ».
قال في درر الحكام (3/604) : «إذا قيدت الوكالة فليس للوكيل المخالفة في الجنس على الإطلاق ، وفي القدر والوصف إلى شر ، سواء أكان ذلك العقد راجعاً إلى الثمن أم إلى المشتري » .
وفي الفتاوى الهندية (3/591) : «ولو قال بعه من فلان ، فباعه من غيره ، لا يجوز ، كذا في فتاوى قاضي خان» .
وفي المبسوط (19/37) : «وهذا بخلاف الوكيل بالبيع من فلان ، فإنه لا يبيع من غيره ؛ لأن مقصوده هناك الثمن ، وإنما رضي أن يكون الثمن له في ذمة من سماه ، ويتفاوت الناس في ملاءة الذمة ، فلهذا لا يجوز بيعه من غيره» .
وفي حاشية ابن عابدين (2/269) : « الوكيل إنما يستفيد التصرف من الموكل وقد أمره بالدفع إلى فلان ، فلا يملك الدفع إلى غيره ، كما لو أوصى لزيد بكذا ليس للوصي الدفع إلى غيره ، فتأمل» .
وفي بدائع الصنائع (6/27) : «فالتَّوكيلُ بالبيع لا يخلو إما أن يكون مُطلقًا وإما أن يكون مُقيَّدًا ، فإن كان مقيَّدًا يُراعى فيه القَيدُ بالإجماع ، حتَّى إنه إذا خالف قيده لا يَنفذ على المُوَكِّل ولكن يتوقف على إجازته إلا أن يكون خلافه إلى خيرٍ ؛ لما مَرَّ أن الوَكيل يتصرَّف بولايةٍ مستفادةٍ مِنْ قِبَلِ المُوَكِّلِ ، فَيَلي مِنَ التَّصرفِ قَدْرَ ما وَلَّاه ، وإن كان الخلافُ إلى خيرٍ فإنّمَا نَفَذَ لأنَّهُ إنْ كان خلافًا صُورَةً فهو وِفَاقٌ مَعنًى ؛ لأنَّه آمرٌ به دلالةً ، فكان متصرِّفًا بتَوْلِيَة المُوَكِّلِ فَنَفَذَ» .
ثم قال (2/29) : « وأما الوكيل بالشراء ، فالتَّوكيل بالشِّراء لا يخلو إما إن كان مُطلقاً أو مُقيَّداً ، فإن كان مُقيَّداً يُراعى فيه القيد إجماعاً ؛ لما ذكرنا ، سواء كان القيد راجعاً إلى المشتري أو إلى الثمن ، حتى إنه إذا خالف يَلزم الشِّراء ، إلا إذا كان خِلافاً إلى خير ، فيَلزم المُوَكِّل » .
ثانياً : مذهب المالكية :
أما المالكية فمع قولهم بأنه لا يجوز للموكل أن يخالف ما عينه الموكل ونص عليه ، إلا أنه إذا خالف فإن الوكيل يكون مخيراً بين الإمضاء ورده ، وله رد السلعة إن كانت باقية ، أما إن فاتت فله رد قيمتها ، إلا أن هذا الخيار ليس على إطلاقه ، وإنما يخيَّر فقط إذا كان ما نصَّ عليه الموكل له فيه غرض .
قال في حاشية الدسوقي (3/381) : «لا يتجاوز الوَكِيل ما وُكِّلَ عليه ، سواء كان مُعيَّنا بالنَّص أو مُخصَّصاً ، أو مُقيَّداً دَالُّهُ بالعُرْف» .
وفي شرح الخرشي (6/74) قال : «الوكيل على بيع إذا خالف ما أمره به المُوكِّل أو ما قضت العادة به، فإن موكِّله يُخيَّر في إجازة البيع والرد إن كانت السلعة قائمة » .
ثم قال : «وليس مطلق المخالفة يوجب خياراً ، وإنما يوجبه مخالفة يتعلق بها غرض صحيح» .
ثالثاً : مذهب الشافعية .
يوافق الشافعية مذهب الحنفية في عدم جواز مخالفة الوكيل لنص الموكِّل . .
وقد عللوا المنع بأن التعيين في الوكالة يكون له غرض عند الموكل من قصد تخصيص المعين بتلك السلعة، أو كون ماله أبعد عن الشبهة من غيره .
أما إذا دلت القرينة على أن الموكل لا غرض له صحيح من التعيين ، جاز البيع لغيره.
قال في المهذب (1/352) : «وإن وكَّله في البيع من رجل ، لم يجز أن يبيع من غيره ؛ لأنه قد يؤثر تمليكه دون غيره ، فلا يكون الإذن بالبيع منه إذناً في البيع من غيره » .
وقال في مغني المحتاج (2/223) : «واعلم أن للوكالة أربعة أحكام ؛ الأول : الموافقة في تصرف الوكيل المقتضي اللفظ الصادر من الموكل أو القرينة» .
ثم قال معللاً ومقيداً المنع (2/227) : « أما الشخص فلأنه قد يقصد تخصيصه بتلك السلعة ، وربما كان ماله أبعد عن الشبهة . نعم إن دلت قرينة على إرادة الربح وأنه لا غرض له في التعيين إلا ذلك فالمتجه كما قال الزركشي جواز البيع من غير المعين » .
وقال في موضع آخر (2/229) : «ومتى خالف الوكيل الموكل في بيع ماله ، بأن باعه على غير الوجه المأذون فيه ، أو في الشراء بعينه ؛ بأن اشترى له بعين ماله على وجه لم يأذن له فيه ، فتصرفه باطل ؛ لأن الموكل لم يرض بخروج ملكه على ذلك الوجه» .
وفي إعانة الطالبين (3/93) : «لا يجوز أن يبيع الوكيل على غير المعين ، وإن رغب بزيادة ثمن المثل الذي دفعه المعين ؛ لأنه لا عبرة بهذه الزيادة لامتناع البيع لدافعها ، ووجه تعيينه أنه قد يكون للموكل غرض في تخصيصه ؛ كطيب ماله ، بل وإن لم يكن له غرض أصلاً ، عملاً بإذنه» .
رابعاً : مذهب الحنابلة .
يوافق قول الحنابلة ما ذهب إليه الشافعية من القول بعدم جواز مخالفة الوكيل لنص الموكِّل ، إلا إذا علم بقرينة أن الموكل لا غرض له في عين المشتري ، فإن البيع جائز والحالة هذه ؛ معللين ذلك بأن الموكِّل إنما قصد نفع ذلك المعيَّن ، فلا تجوز مخالفته .
قال في الشرح الكبير (5/236) : «إن عيَّن له المشتري فقال : بعه فلاناً ، لم يملك بيعه لغيره بغير حلاف علمناه ، سواء قدَّر له الثمن أو لا ؛ لأنه قد يكون له غرض في تمليكه إياه دون غيره ، إلا أن يعلم بقرينة أو صريح أنه لا غرض له في عين المشتري» .
وفي المبدع : (4/375) : «وإن قال : بعه لزيد ، فباعه من غيره ، لم يصح بغير خلاف نعلمه ؛ لأنه قد يقصد نفعه ، فلا تجوز مخالفته » .
وفي كشاف القناع (3/480) : «وإن قال الموكل : بعه من زيد ، فباعه الوكيل من غيره لم يصح البيع؛ للمخالفة ، لأنه قد يقصد نفعه ، فلا تجوز مخالفته . قال في المغني والشرح ، إلا أن يعلم بقرينة أو صريح أنه لا غرض له في عين المشتري» .