إدارة الإفتاء

من أحكام النذر في الفقه المالكي


  • من أحكام النذر في الفقه المالكي

    بسم الله الرحمن الرحيم

    النذر هو: إلزامُ مسلم مكلف نفسَه قربةً يقصد بها التقرب إلى الله تعالى ، سواء كان من جنس هذه القربة ما هو واجب؛ كالصلاة والصيام والصدقة والحج ، أو لم يكن من جنسها ما هو واجب؛ كزيارة المريض وإفشاء السلام وتشميت العاطس.

    فمن ألزم نفسَه بالوقوف في الشمس مثلاً لم ينعقد نذره ؛ لأن الشيء المنذور ليس قربة يُتقربُ بها إلى الله .

    - وليس من النذرِ النذرُ بما هو واجب أو محرم ؛ لأن ما أوجبه الشارع لا تأثير للنذر فيه، وكذلك ترك المعصية لا تأثير للنذر في تركها ؛ لأن تركها واجب بالشرع.

    - ويلزم النذر بكل صيغة فيها التزامٌ بأمر ٍ مندوب، سواء كان النذر مطلقاً ، مثل: (لله عليَّ صدقةٌ) قالها ليوجب على نفسه شكرًا لله على نعمة حصلت ، أو قصد بها التقرب إلى الله دون سبب ، أو كان النذر معلقاً ؛ مثل : إن شفى الله مريضي فإني أتصدق بكذا ، أو إن قدم ولدي من السفر فإني أصوم كذا أو أصلي كذا.

    * حكم الإقدام على النذر :

    يختلف حكم الإقدام على النذر باختلاف أنواع النذر نفسه:

    - فيستحب النذر المطلق  وهو ما لم يكن معلقاً على شيء ولا مكررًا بحيث يشق على الناذر . ومثال النذر المطلق أن يقول الناذر تقربًا إلى الله سبحانه وتعالى: لله عليّ نذر صدقة بكذا، من غير سبب، أو يقوله شكرًا لله تعالى على نعمة حصلت ؛ كشفاء مريض أو نجاح في اختبار.

    - أما النذر المعلق على حصول شيء فيكره الإقدام عليه، مثل : إن شفى الله مريضي فعليّ صدقة بكذا.

    - ويكره النذر المكرر؛ كنذر صيام يوم الخميس أبدًا ، فهذا يُخرج حال الناذر من التقرب إلى الله بالطاعة إلى الشعور بثقل العبادة عليه.

    ومع هذه الكراهة في النذر المعلق (ويسمى نذر المعاوضة أو نذر المجازاة، وهو الذي يستخرج به من البخيل) والنذر المكرر.. فإنهما يلزمان الناذر إن حصلا؛ لأن الناذر في هاتين الحالتين نذر قربة إلى الله تعالى وقصد بهما التقرب إليه جل شأنه . لكن إن لم ينفذ هذه النذور اللازمة (النذر المطلق والنذر المعلق والنذر المكرر) فلا كفارة عليه ، إلا أنه يأثم إن لم يكن له عذر في عدم تنفيذها.

    - ويحرم الإقدام على النذر بالمعصية ، ويحرم الوفاء به.

    - ويحرم الإقدام على نذر المكروه؛ كأن ينذر أن يصلي ركعتين بعد صلاة العصر؛ لأنه وقت كراهة، والمعصية والمكروه ليسا من القربات المستحبة.

    ولا يجب الوفاء بنذر المكروه بل يُكره الوفاء به؛ لأن فعل المكروه مكروه .

    - ويحرم الإقدام على نذر المباح؛ كالأكل والشرب والنوم؛ لأنه ليس من القربات المندوبة ، ولا يجب الوفاء به.

    وذهب بعض علماء المالكية إلى أن النذر يتبع المنذور؛ فنذر الحرام حرام، ونذر المكروه مكروه، ونذر المباح مباح.

    وعلى كل حال .. ما سبق ليس بلازمٍ الوفاءُ به.

    - أما النذر المبهم ، وهو الذي لم يُسَمَّ فيه الشيء المنذور، مثل : (لله عليَّ نذرٌ)، أو: (إن حججتُ البيت فعلي نذر) ولا يسمي الشيء المنذور، فهو جائز، وتجب فيه الكفارة، وقد يكون يميناً إن قصد به الامتناع عن الفعل أو الحث عليه؛ فتجري عليه أحكام اليمين، ويجوز فيه كالاستثناء بـ (إنشاء الله) ، وتلزم فيه الكفارة.

    - وأما نذراللجاج؛ ويقصد به الناذر أن يمنع نفسه من شيء ويعاقبها بتركه، ولا تكون له نيةٌ في القربة؛ كأن يقول: إن سافرت مع فلان فعليّ صيام، ويقصد بذلك منع نفسه من السفر مع فلان، فمن العلماء من عدَّه من نذر المعصية، يحرم الإقدام عليه ، ولا يجب الوفاء به، لكنه يأخذ حكم اليمين فيكفّر عنه وجوباً . قال رسول الله صلى الله عليهوسلم : «لا نذر إلا فيما يُبتغى به وجه ُ الله» [سنن أبي داود حديث رقم 3273 ] .

    - وكذلك نذر الغضب، كمن يقول وهو غضبان على شخص: إن كلمت فلاناً لزمتني صدقة، ويقصد بكلامه منع نفسه عن حديث فلان ومعاقبته، ولا يقصد القربة ، فهو كنذر اللجاج.

    ومن المالكية من يرى أن نذر اللجاج والغضب لازم.

    والخلاصة: أن من نذر فعل شيء هو قربة مستحبة وقصد بها التقرب إلى الله تعالى فهو نذر يلزم أداؤه ، ولا كفارة على تركه ، لكن فيه الإثم إن لم يكن لدى الناذر عذر منع من الوفاء به.

    - ومن نذر قربة مندوبة لكن لم يقصد بها التقرب إلى الله ، وإنما قصد منع نفسه عن شيء أو حثها على فعل شيء فإنه تجري عليه أحكام اليمين.

    - أما ما كان فيه الشيء المنذور قربة واجبة فهو تحصيل حاصل؛ لأن ما نذره هو واجب عليه أساساً بالشرع.

    - وأما إن كان الشيء المنذور محرمًا أو مكروهًا أو مباحًا فلا يلزم أداؤه ويحرم الإقدام عليه، ومن المالكية من قال إن نذر الحرام يحرم الإقدام عليه، ونذر المكروه يكره الإقدام عليه، ونذر المباح يباح الإقدام عليه.

    ختامًا : إن أصبت في هذا الجهد فمن الله ، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان.

    وهناك تفاصيل ومسائل لم أذكرها فلتراجع في كتب الفقه المالكي القديمة والمعاصرة، وأخص من الكتب المعاصرة الكتابين التاليين:

    1) مدونة الفقه المالكي وأدلته ، للشيخ الدكتور الصادق عبد الرحمن الغرياني (فقيه ليبي)، طبعة مؤسسة الريان في بيروت. (وقد استفدت منه كثيرًا).

    2) الفقهالمالكي في ثوبه الجديد، (الجزء الثاني أحكام الأيمان والنذور) ، للشيخ الدكتور محمد بشير الشقفة، طبعة دار القلم بدمشق.

    علمًا بأن ما ذكرته خاص بالمذهب المالكي، ولم أتعرض لذكر المذاهب الفقهية الأخرى .. الحنفي والشافعي والحنبلي.

    والحمد لله رب العالمين . وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

    سامي أحمد العمير

    أمين سر لجنة الأحوال الشخصية

    في هيئة الفتوى

     
وزارة الاوقاف و الشؤون الاسلامية - دولة الكويت - إدارة الإفتاء