الترويح في الإسلام
إن من أعظم الدلائل على عظمة دين الإسلام أن تشريعاته قامت على جلب المصالح ودرء المفاسد؛ المبنية على رفع الحرج، ومراعاة التيسير، ومجافاة العنت والتشديد؛ وهي بذلك تراعي الفطرة البشرية ومتطلباتها؛ فلم تكبتها أو تضيق عليها، وفي الوقت نفسه لم تطلق لها العنان، أو تترك لها الحبل على الغارب، وإنما حرصت على الموازنة بين الحقوق والواجبات، وما يباح وما يمنع، في مختلف جوانب الحياة البشرية.
وإن من أبرز ما تتصف به النفس البشرية أنها تصاب بالملل والفتور؛ فتحتاج إلى الترويح لتستعيد نشاطها، وتواصل سيرها بجد نحو البناء والتقدم.
ونظراً لهذه الطبيعية البشرية نجد أن الإسلام شرع مبدأ الترويح عن النفس؛ تخفيفاً لما تتحمله من تكاليف ومشاق؛ فعن حنظلة الأسيدي رضي الله عنه (لقَيَني أبو بَكرٍ -رضي الله عنه-؛ فقالَ: كيفَ أنتَ يا حَنظلةُ؟ قَالَ: قُلتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ! قَالَ: سُبحانَ اللهِ! مَا تَقولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكونُ عِندَ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُذَكِّرُنا بِالنَّارِ وَالجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيَ عَينٍ؛ فَإِذا خَرَجْنا مِنْ عِنْدِ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَافَسْنا الأَزْواجَ وَالأَوْلادَ وَالضَّيْعَاتِ؛ فَنَسِينَا كَثِيراً. قَالَ أبو بَكرٍ -رضي الله عنه-: فَواللهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا. فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبو بَكرٍ -رضي الله عنه- حَتَّى دَخَلْنا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يا رَسُولَ اللهِ! فَقالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: وَمَا ذَاكَ؟! قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنا بِالنَّارِ وَالجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيَ عَينٍ؛ فَإِذا خَرَجْنا مِنْ عِنْدِ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَافَسْنا الأَزْواجَ وَالأَوْلادَ وَالضَّيْعَاتِ ، نَسِينا كَثيراً. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ المَلائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُم، وَفي طُرُقِكُم، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ؛ سَاعَةً وَسَاعَةً -ثلاث مرات- ) [رواه مسلم].
والترويح عن النفس أمر أباحته الشرائع كلها؛ لكونه من متطلبات الفطرة البشرية؛ فقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى عن إخوة يوسف حينما احتالوا لأخذ أخيهم يوسف عليه السلام مخاطبين أباهم : )أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ( [يوسف:12]؛ يقول الإمام الجصاص رحمه الله: «وفي الآية دلالة على أن اللعب الذي ذكروه كان مباحاً، لولا ذلك لأنكره يعقوب عليه السلام عليهم» [أحكام القرآن 4/381].
وقال الطاهر ابن عاشور رحمه الله: «يقصد منه الاستجمام ودفع السآمة، وهو مباح في كافة الشرائع إذا لم يصر دأباً» [التحرير والتنوير 12/39].
وقال أبو الليث السمرقندي رحمه الله: «وفيه دليل أن القوم إذا خرجوا من المِصْر، فلا بأس بالمطايبة والمزاح، في غير مأثم» [بحر العلوم 2/367].
ومن دلائل إباحة الترويح واللعب المباح ، ما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها في قصة لعب الحبشة في المسجد يوم العيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لِتَعْلَمَ يَهُودُ أَنَّ في دِينِنَا فُسْحَةٌ، إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ) [رواه أحمد].
ومع هذه الفسحة في الترويح عن النفس، ينبغي للمسلم أن لا يجعلها غاية له وهدفاً في هذه الحياة الدنيا، وأن لا يتخذها وسيلة ومطية لانتهاك حرمات الله، وتعدي حدود الشرع، وإنما عليه أن ينظر إليها كوسيلة لغاية عظمى وهدف أسمى ؛ هو بقاء الإنسان نشيطاً ، ذا همّة وعطاء، من أجل بناء المجتمعات، وعمارة الأرض، وإقامة الشرع ؛ وفقاً للتوجيه الرباني الوارد في قوله سبحانه وتعالى : )قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ العَالَمِينَ( [الأنعام:162].
ومن هنا نعلم أن الترويح عن النفس لا بد أن ينضبط بضوابط الشَّرع وقواعده، ويُعرَضَ على مِيزانه؛ لضمان تحقيق أهدافه التي أبيح من أجلها، حتى لا يؤول إلى وسيلة لضياع الأوقات وهَدْر المُقدَّرات، والتَّرَدِّي في مَهاوي الخمول والكسل والانحراف، وإلا كان وبالاً وهلاكاً ؛ عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةٌ ، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي ، فَقَدْ أَفْلَحَ ، وَمَنْ كَانَتْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ) [رواه أحمد]؛ و(الشِّرَّة): النشاط والاندفاع والإقبال. و(الفَتْرة): من الفتور، وهو الضعف والوهن والكسل؛ ويمكن إجمال هذه الضوابط فيما يلي :
1) النية والاحتساب في الترويح:
من أهم ما تؤثر فيه النية المباحات والعادات؛ فإنها تتحول بالنية إلى عبادات وقربات؛ والترويح من جملة المباحات التي يثاب عليها الإنسان إذا نوى بها النشاط للطاعة والعبادة، وأداء الواجبات الدنيوية، وقد يأثم الإنسان عليها إذا قصد به الهروب من المسؤوليات، وتضييع الواجبات؛ فعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وَفِى بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلاَلِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ) [رواه مسلم].
وقد كان السلف الصالح رحمهم الله تعالى يحرصون على ذلك ويتعاهدون نياتهم في جميع أعمالهم ؛ فعن معاذ رضي الله عنه قال: «لكني أنام ثم أقوم فأقرأ، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي» [رواه ابن حبان]، وعن زبيد اليامي رحمه الله قال: «إني لأحب أن تكون لي نية في كل شيء؛ حتى في الطعام والشراب»، وقال أيضاً: «انو في كل شيء تريده الخير، حتى خروجك إلى الكُناسة» [جامع العلوم والحكم].
فلا ينبغي للمسلم أن يغفل عن تلك اللحظات؛ فإنه يُسأل عنها يوم القيامة؛ لم فعله ؟ وما الذي قصد به.
2) اختيار جماعة الترويح:
يشعر الإنسان بمتعة أكبر وسعادة غامرة إذا كان ترويحه في رفقة أو صحبة من الناس، ونظراً لكون اللهو والمرح مما يشغل القلب عن أداء الواجبات والتكاليف؛ يحتاج المسلم إلى من يذكره بها؛ ولذا ينبغي أن يختار من الرُّفقة من يعينوه على الطاعة، ويحذروه من المعصية؛ ممن يَقْدُرُ للدِّينِ قَدْرَه ، ويَعرِفُ أنَّ للشَّرعِ حَدَّه، وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الضابط في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ؛ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً) [متفق عليه].
3) اختيار أوقات الترفيه:
ينبغي للمسلم أن ينظم وقته بين العمل واللهو، والجد واللعب، فلا يعتدي على الوقت الذي هو حق لله تعالى؛ كوقت الصلوات المفروضة، أو أن يغفل عن ذكر الله في أوقات هو أحوج ما يكون فيها إلى القرب من ربه؛ كإهدار ساعات الليل كلها في السَّمر واللَّهو، فلا هو في نوافل العبادات قضاها، ولا لأمر واجب أحياها؛ وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك؛ فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لَيَبِيتَنَّ أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى أَشَرٍ وَبَطَرٍ وَلَعِبٍ وَلَهوٍ؛ فَيُصْبِحُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ، بِاسْتِحْلَالِهِمُ المَحَارِمَ وَاتِّخَاذِهِمُ القَيْنَاتِ، وَشُرْبِهِمُ الخَمْرَ، وَبَأَكْلِهِمُ الرِّبَا، وَلُبْسِهِمُ الحَرِيرَ) [رواه عبدالله في زوائده على المسند].
ومما ينبغي أن يجتنبه المسلم أيضاً التعدي على الأوقات التي تتعلق بأداء حقوق العباد؛ كالعمل الرسمي؛ فلا ينبغي أن يقضيه المسلم في الترفيه والترويح، تاركاً وراءه مسؤوليات أنيطت به من قبل المسؤولين، أو معاملات للمراجعين؛ فوقت العمل مرتبط بما التزم به الإنسان من عقود ومواثيق يجب الوفاء بها واحترامها؛ قال عز وجل : )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ( [المائدة:1].
4) اجتناب اختلاط الرجال بالنساء:
من أشد الأمور خطورة في الترويح والترفيه أن يكون في بيئة مختلطة بين الرِّجال والنِّساء؛ وتكمن خطورته فيما يصحبه من هزل وضحك وإسقاط تكلُّف، وحينها لن يجد الشيطان بيئة أخصب من تلك البيئة ليقذف القلوب بسهامه، ويسقطها في حبائل الفتنة التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ) [متفق عليه].
ولا يعني هذا أن ينعزل الرجل عن بقية أهله، أو المرأة عن محارمها في الترفيه والترويح؛ إنما عليهم أن يراعوا حرمات الله، كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأنت تراه يُلاعِبُ أهله ويمازحهم ويروِّحُ عنهم، ولكن يفعل ذلك بكل خصوصية؛ فقد كان -عليه الصلاة والسلام- يسابق زوجه عائشة رضي الله عنها ، بعد أن يأمر الجيش بالمُضيِّ والسَّبق؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت : (خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَأَنَا جَارِيَةٌ لَمْ أَحْمِلِ اللَّحْمَ وَلَمْ أَبْدُنْ، فَقَالَ لِلنَّاسِ : تَقَدَّمُوا، فَتَقَدَّمُوا ، ثُمَّ قَالَ لِي : تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ؛ فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ، فَسَكَتَ عَنِّي، حَتَّى إِذَا حَمَلْتُ اللَّحْمَ وَبَدُنْتُ وَنَسِيتُ، خَرَجْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ ، فَقَالَ لِلنَّاسِ : تَقَدَّمُوا، فَتَقَدَّمُوا، ثُمَّ قَالَ: تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ فَسَابَقْتُهُ، فَسَبَقَنِي، فَجَعَلَ يَضْحَكُ، وَهُوَ يَقُولُ: هَذِهِ بِتِلْكَ) [رواه أحمد].
5) أن لا يستهلك الترويح جُلَّ وقت المسلم:
إن من أخطر الأمور في ممارسة الترفيه والترويح؛ أن يستهلك الإنسان كل وقته أو معظمه في اللهو والترفيه ؛ فهذه الأوقات يسأل عنها الإنسان يوم القيامة؛ كيف قضاها، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لاَ تَزُولُ قَدَمَا ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ: عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ) [رواه الترمذي].
فالوقت عند المسلم له قيمة، وهو يعلم أن ما ضاع منها سُدَى لا يَعُودُ، وأن ما يقضيه في الترويح والترفيه يهدف من ورائه مضاعفة الهمة والنشاط؛ لتعويض ما فات، وأن الحكمة والتَّعقُّلَ في استغلال الأوقات لا في إهدارها وتضييعها .
6) أن لا يكون في الترويح اعتداء على الآخرين:
لا ينبغي للمسلم أن يغفل عن هذه القضية المهمة، فيضع نصب عينيه، أن حُرِّيتَه ومُتعَتَه تنتهي عندما تتجاوز حقوق الآخرين؛ فلا ينبغي له أن يعتدي أثناء ترفهه ولعبه على الناس، سواء في مساكنهم، أو في طرقاتهم، أو حتى في أماكن ترويحهم، وهذا من أشد ما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم؛ فعن حذيفة بن أسيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ آذَى المُسْلِمِينَ في طُرُقِهِمْ، وَجَبَتْ عَلَيهِ لَعْنَتُهُمْ) [رواه الطبراني في الكبير، بإسناد حسن].
وقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه إلى مراعاة حقوق الآخرين؛ حينما استأذنوه في الجلوس في الطرقات؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ. قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ. قَالُوا: وَمَا حَقُّهُ؟ قَالَ : غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْىُ عَنِ الْمُنْكَرِ) [متفق عليه].
7) أن تكون وسيلة الترويح مشروعة:
أما كون الوسيلة مشروعة ؛ فتأتي هذه المشروعية من وجهين:
الأول: أن تكون مباحة في ذاتها؛ بمعنى أنه لم يرد في الشرع الكريم نهيٌ عنها لذاتها، وإلا كانت ممنوعة؛ فلا يجوز للمسلم أن يترفَّه أو يلهو فيما ما حرّمه الله تعالى؛ كالضحك والسخرية من الآخرين، أو الاستهزاء بهم، أو ترويعهم، أو استعمال آلات اللهو والطرب للترويح عن النفس، أو اللهو بألعاب محرَّمة كالنرد والقمار، وغير ذلك مما وردت النصوص الشرعية بتحريمها.
الثاني: أن تكون الغاية -التي تستعمل لها الوسيلة المباحة- مشروعة أيضاً؛ ذلك أن الوسائل لها أحكام المقاصد؛ فالوسيلة وإن كانت مشروعة أو مباحة في ذاتها، وقصد بها التوصل إلى ما حرّم الله، كانت محرّمة تبعاً لمقصدها؛ فالسفر بحد ذاتها وسيلة مشروعة أو مباحة؛ فإن استعملها الإنسان في التوصل إلى طاعة الله؛ كأداء العمرة، أو صلة الأرحام، كانت السفر جائزاً ومشروعاً، أما إذا قصد الإنسان بسفره هذا ارتكاب المحرمات، وفعل المنكرات؛ كأن يسافر لفعل الفواحش وارتكاب المحارم، أو تسافر المرأة لتنزع حجابها وتظهر زينتها، كان السفر والحالة هذه ممنوعاً وغير مشروع؛ تبعاً للمقصد الذي استعمل لأجله.
بقلــم/
د. أيمن محمد العمر
الباحث في إدارة الإفتاء