إدارة الإفتاء

انطلاقة جديدة


 

انطلاقة جديدة

يبادر الإنسان عند تعليق (التقويم السنوي) الرزنامة إلى نزع أوراقه يوماً بعد يوم، وما إن يمرَّ العام حتَّى يكون ذلك الإنسان قد أتى على أيَّام السَّنة كلِّها. ولكن! هل سأل المرء نفسه: ماذا يعني أن أنزع آخر ورقة في السَّنة بالنسبة لي؟

والجواب: إنَّ ذلك يعني أنَّه قد مضى من عمرك عام كامل، أو ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوماً، كنت تقطعها يوماً بعد يوم.

فالمرء في سباق مع الزمن؛ تمضي أيَّامه يوماً بعد يوم، وتنقضي أعوامه عاماً بعد عام، ثمَّ ينظر إلى نفسه وهو ما يزال في حالة من عدم التوازن، ينظر إلى ما مضى فيرى نفسه لم يحقِّق شيئاً، وينظر إلى المستقبل فيرى نفسه في ضبابيَّة، وضياع، وتِـيه.

هو يريد أن يُغيِّر من حاله، ولكن لا يستطيع، يريد أن ينطلق من جديد، ولكنَّه لا يعرف السبيل، يريد أن يلقى الله مَرْضيًّا، ولكنه لا يدري كيف يحقق ذلك.

إذاً لا بدَّ من التغيير ليصلح الحال، ويتحقَّق المراد، وفي هذه المقالة سنتناول بعض المعالم التي يمكن للمسلم أن يستضيء بها في دربه، ويتلمَّس فيها طريقه نحو التغيير، والانطلاق من جديد.

ولكن قبل ذلك أذكِّر بأنَّ المسلم حتى وهو عامل مجتهد مُجدٌّ، ربما يصيبه شيء من الفتور، والركون إلى الراحة، إلَّا أنَّ هذا الفتور ينبغي أن يكون من أجل التقاط الأنفاس، واستعادة النشاط، ولا ينبغي أن يكون مانعاً من الاستمرار على الخير؛ لأنَّ في ذلك مؤشِّراً خطيراً على ضعف الإيمان؛ ففي الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةٌ (أي نشاطاً ورغبة)، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةُ (أي فتور وراحة)؛ فَمَن كانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي؛ فَقَدْ أَفْلَحَ، وَمَن كانَتْ إِلَى غَيرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ) [أخرجه أحمد].

* إذاً؛ كيف لي أن أنطلق من جديد؟ وكيف لي أن أعود إلى الطريق؟

إن تحقيق هذا الأمر يتطلَّب منك أن تقف معي على هذه المحطّات التي ترشدك وتنير دربك أثناء مسيرك وأنت تبحث عن الطريق.

المحطَّة الأولى: الثقة بالله تعالى والتفاؤل والاستبشار، وعدم اليأس والقنوط.

قد يصاب المرء أحياناً باليأس والقنوط، والضعف والخَوَر؛ حينما ينظر إلى حال الأمَّة، وما أصابها من ضعف وهوان، حتَّى يصل به الأمر إلى أن يظنَّ الظنَّ السيِّء بدينه وأُمَّته.

وأحياناً يصاب الإنسان باليأس والقنوط حينما يرى من نفسه الاستمرار على الذنب، والمداومة عليه؛ حتى يصبح عاجزاً عن المبادرة إلى التوبة والإنابة.

ولا شكَّ أنَّ هذا الشعور من وسواس الشيطان، وتلبيسه على بني آدم؛ ولذا يجب على المسلم أن يقاوم ذلك الوسواس، ويحاربه من خلال اليقين، والثقة بالله تعالى، ونصره، وفضله، ورحمته.

يقول تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ الله إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: 53].

والإسراف معناه الإكثار؛ حتَّى يُثقل العبدُ كاهلَه بالمعاصي، وهذه الكلمة تشمل جميع أنواع المعاصي بما فيها الشرك، ويدلُّ لذلك سبب نزول الآية؛ حيث نزلت في هشام بن أبي العاص الذي افتُتن في دينه لما حُبِسَ في مكَّة عن الهجرة، فقال عمر وعيَّاش بن أبي ربيعة: «هؤلاء قد عَرفوا الله ثمَّ افتتنوا لبلاءٍ لَحِقَهُم، لا نرى لهم توبة». وكانوا هم يقولون هذا في أنفسهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية. [تفسير القرطبي 15/268].

وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي؛ فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ )، وفي رواية: (إِنْ ظَنَّ خَيْراً؛ فَلَهُ، وَإِنْ ظَنَّ شَراً؛ فَلَهُ) [أخرجه أحمد وابن حبان].

ومن هنا نجد أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمرنا بحُسْنِ الظنِّ بالله تعالى؛ فقال: (لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحسِنُ الظَّنَّ بِالله) [رواه مسلم].

أمَّا من لم يُحسن الظنَّ بالله، ولم يثق برحمة ربه ونصره وفضله؛ فلا شكَّ أنَّ مآله إلى أن تتخطَّفه الشياطين بالوساوس والإضلال؛ كما قال تعالى: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 268].

واليأس والقنوط صفة أهل الكفر والنفاق والضلال؛ كما أخبر الله تعالى عن وصيَّة يعقوب عليه السلام لأبنائه: ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ الله إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ الله إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ [يوسف: 87].

المحطَّة الثانية: التوكُّل والاعتماد على الله تعالى.

حقيقة التوكُّل: هو الاعتماد على الله تعالى، والثقة بما عنده؛ فيما يبتغيه العبد من أمور الدنيا والآخرة.

فالتوكُّل ثمرة وأثر من آثار حُسنِ الظَّنِّ، والثقة بالله سبحانه؛ لأنَّ الواثق بربِّه وبقدرته وعظمته ورحمته وفضله، يعلم أنَّه لا مُعين له على سلوك طريق الهداية إلَّا هو سبحانه.

نحن نقرأ يومياً ونكرِّر في صلاتنا قول الله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِيُن﴾ [الفاتحة: 5]؛ فإذا تأمَّلنا هذه الآية العظيمة، علمنا أنَّنا لا نعبد الله تعالى بقوَّتنا الذاتيَّة، وإنَّما نحن نستعين بالله على ذلك. وهذا كقول الله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللهُ﴾ [الأعراف: 43]، وقوله في الحديث القدسيِّ: (يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيتُهُ؛ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ) [رواه مسلم].

لقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ، فَقَالَ: ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ، فَقَالَ: كَفَى بِالله شَهِيدًا، قَالَ: فَأْتِنِي بِالكَفِيلِ، قَالَ: كَفَى بِالله كَفِيلًا، قَالَ: صَدَقْتَ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَخَرَجَ فِي البَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ التَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلْأَجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ، فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا، فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا، فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ، ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا، ثُمَّ أَتَى بِهَا إِلَى البَحْرِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلاَنًا أَلْفَ دِينَارٍ، فَسَأَلَنِي كَفِيلاَ، فَقُلْتُ: كَفَى بِالله كَفِيلًا، فَرَضِيَ بِكَ، وَسَأَلَنِي شَهِيدًا، فَقُلْتُ: كَفَى بِالله شَهِيدًا، فَرَضِيَ بِكَ، وَأَنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِي لَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ، وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا، فَرَمَى بِهَا فِي البَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ، يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ، فَإِذَا بِالخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا المَالُ، فَأَخَذَهَا لِأَهْلِهِ حَطَبًا، فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ المَالَ وَالصَّحِيفَةَ، ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ، فَأَتَى بِالأَلْفِ دِينَارٍ، فَقَالَ: وَالله مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لِآتِيَكَ بِمَالِكَ، فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي أَتَيْتُ فِيهِ، قَالَ: هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ؟ قَالَ: أُخْبِرُكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي جِئْتُ فِيهِ، قَالَ: فَإِنَّ اللهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ فِي الخَشَبَةِ، فَانْصَرِفْ بِالأَلْفِ الدِّينَارِ رَاشِدًا) [رواه البخاري].

فالباحث عن الهداية لا بدَّ له أن يستعين بالله في طلب الهداية وإرشاده إليها، وأن يتوكَّل على الله تعالى حقَّ التوكُّل؛ لأنَّ ضَعْف التوكُّل سبب في الضلال، كما أنَّه سبب في قلَّة الرزق؛ فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى الله حَقَّ تَوَكُّلِهِ؛ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ؛ تَغْدُوا خِمَاصاً، وَتَرُوحُ بِطَاناً) [رواه أحمد].

المحطَّة الثالثة: الأخذ بالأسباب المشروعة.

إنَّ التوكُّل على الله ليس مجرَّد كلمة يتلفَّظ بها العبد، وإنَّما لا بدَّ من العمل؛ ومن العمل أن يأخذ بالأسباب التي جعلها الله تعالى وسيلة لتحقيق الهداية؛ لأنَّ من اعتمد على الله من غير الأخذ بالأسباب لا يُسمَّى متوكِّلاً، وإنَّما هو متواكل؛ كما قال عمر رضي الله عنه لمَّا أتى على قومٍ فقال: (مَا أَنتُم؟ قالُوا: نَحْنُ المُتَوَكِّلُونَ. قَالَ: بَلْ أَنتُم المُتَّكِلُونَ. أَلَا أُخْبِرُكُم بِالمُتَوَكِّلِينَ؟ رَجُلٌ أَلْقَى حَبَّةً في بَطْنِ الأَرْضِ، ثُمَّ تَوَكَّلَ عَلَى رَبِّهِ) [رواه البيهقي في (شعب الإيمان)].

وعن أنس رضي الله عنه أنَّ رجلاً قال: (يَا رَسُولَ الله! أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ، أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟ قَالَ: اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ) [رواه الترمذي].

فمن كان يبحث عن الهداية لا بدَّ له أن يتَّخذ أسبابها؛ فأنت تعلم أنَّ من أسباب الهداية الصلاة؛ فلا بدَّ أن تصلِّي، وتذهب إلى المسجد.

ومن أسباب الهداية تَعلُّم أحكام الشرع التي لا يستقيم دينُك إِلَّا بمعرفتها والعلم بها؛ فيجب عليك أن تبذل الأسباب بتلاوة القرآن، وتعلُّم أحكامه، وحضور مجالس العلم، وسماع الدروس.

ومن أسباب الهداية اجتناب المعاصي والذنوب؛ فلا بدَّ من الابتعاد عن أماكنها وأصحابها، ومرافقة الصالحين من عباد الله المؤمنين.

ولك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة؛ فهو سيِّد المتوكِّلين وإمامُهم، ومع ذلك تراه قد أخذ بالأسباب بعد أن توكَّل على الله تعالى.

ومع أنَّ الله قد وعده بالنصر والتمكين، إلا أنّه خطَّط لرحلة الهجرة، وتعامل مع الأمر بسريَّة تامَّة، واتَّخذ الدوابَّ التي تنقله في سفره، واتَّخذ دليلاً يدلُّه على الطريق.

وفي الحروب؛ ما خاض حرباً إلَّا وأعَدَّ لها عُدَّتها، ووضع لها الخطط، واستشار أصحابه من أهل الخبرة والدراية.

المحطة الرابعة: تحديد الهدف، والتخطيط له.

كثير من الناس يعيش حياته بلا هدف، فهو لا يدري أين يسير، وليس له همٌّ من الدنيا إلَّا أن يأكلَ، ويشرب، وينام، ويجمع المال؛ يفعل ذلك كلَّه ليعيش. ولقد نسي ذلك الإنسان أن يسأل نفسه: إلى متى سيعيش؟ وكم تبقَّى من عمره؟

لقد نسي قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ، وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ) [رواه الترمذي].

إذاً لا بدَّ أن يكون لك هدف، وينبغي أن لا يخرج هذا الهدف عمَّا حدَّده ربُّ العزَّة والجلال حينما بيَّن لنا الهدف؛ وهو عبادته سبحانه وتعالى، وعمارة الأرض من أجل إقامة تلك العبادة على أكمل صورها.

ولك أن تتأمَّل دعوة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فهو عليه الصلاة والسلام كان يهدف إلى نشر دين ربِّه بين الناس، فكان هدفه واضحاً محدَّداً، وعمل على التخطيط له.

ولنتأمل حادثة الهجرة كيف أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يهدف إلى الوصول إلى المدينة لإقامة دولته، ونشر دين ربه، فخطَّط لرحلته وفق المعطيات التي كانت بين يديه؛ حيث حدَّد المشكلة وأبعادها، ثمَّ وضع الخطَّة المناسبة للتنفيذ.

وفي هذه الخطَّة ترى أنَّ كلَّ فردٍ مَعنيٍّ بأمر نشر دين الله كان له دوره في التنفيذ؛ فانظر مثلاً بيت أبي بكر رضي الله عنه، كلَّ فردٍ فيه له دوره، فعبدُ الله ينقل لهم الأخبار، وأسماءُ تنقل لهم الطعام والشراب، حتَّى الرَّاعي عامر بن فهيرة له دور في مسح الآثار، وزوجة أبي بكر تكتم الأخبار.

ونحن إذا عرفنا وحدَّدنا هدفنا الذي هو الوصول إلى الهداية والاستقامة؛ فلا بدَّ لنا من التخطيط للوصول إلى الهدف.

- فالمداومة على تلاوة القرآن وحفظه وسيلة إلى الهداية؛ فلا بدَّ أن تخطِّط لها.

- وتعلُّم أحكام الشرع، وآدابه، وأخلاقه؛ وسيلة إلى الهداية؛ فلا بدَّ أن تخطِّط لها.

- والمحافظة على الصلوات الخمس في المسجد، وسيلة إلى الهداية؛ فلا بدَّ أن تخطِّط لها.

- والتقرُّب إلى الله تعالى بنوافل العبادات والطاعات وسيلة إلى الهداية؛ فلا بدَّ أن تخطِّط لها.

المحطَّة الخامسة: اتِّخاذ الرفقة الصالحة.

يقول تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً﴾ [الفرقان: 27-29].

وممَّا يدلُّ على تأثير الرفقة ما روى أبو هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ؛ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ) [رواه أبو داود].

وعن أبي موسى الأشعري أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالجَلِيسِ السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ وَكِيرِ الحَدَّادِ؛ لَا يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ؛ إِمَّا تَشْتَرِيهِ، أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وَكِيرُ الحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ، أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً) [رواه البخاري، ومسلم].

فلا بدَّ أن تبحث عن الرفقاء الصالحين الذين يعينونك على سلوك طريق الهداية؛ ويقدِّمون لك النصيحة والتوجيه، ويأخذون بيدك إلى الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة، وتجنَّب مرافقة أهل السوء والفساد؛ لأنَّ الرفقة الفاسدة والتائهة لا تزيدك إلا إفساداً وتيهاً؛ وتذكَّر دائماً قول الله تعالى: ﴿الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا المُتَّقِينَ﴾ [الزخرف: 67].

هذه بعض محطَّات التزوّد على طريق الهداية، يمكن للعبد أن يستنير ويسترشد بها أثناء سيره؛ ليستعيد عافيته، وينقذ نفسه من الضياع بين ملذَّات الدنيا وشهواتها، سائلاً المولى عز وجل للجميع الهداية والسداد، والتوفيق والرشاد، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

بقلم/

د. أيمن محمد العمر

الباحث الشرعي في إدارة الإفتاء

 
وزارة الاوقاف و الشؤون الاسلامية - دولة الكويت - إدارة الإفتاء