إدارة الإفتاء

من أحكام عيد الفطر


من أحكام عيد الفطر*

 

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له امتنّ على عباده بمواسم الخيرات، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث بالهدى والبشرات ، أما بعد:

فإن العيد في الإسلام مظهر من مظاهر الفرح بفضل الله ورحمته، وفرصة عظيمة لصفاء النفوس، ووحدة الكلمة، وتجديد الحياة، وهو لا يعني أبداً الانفلات من التكاليف، والتحلل من الأخلاق والآداب، بل لا بد فيه من الانضباط بالضوابط الشرعية والآداب المرعية .

 وهناك جملة من الأحكام والسنن والآداب المتعلقة بالعيد، ينبغي للمسلم أن يراعيها ويحرص عليها، وكلها تنطلق من المقاصد والغايات التي شرعت لأجلها الأعياد في الإسلام، ولا تخرج عن دائرة التعبد لله رب العالمين، في كل وقت وحين . ومن هذه الأحكام والآداب:

 

أولاً: الاستعداد لصلاة العيد بالتنظف، ولبس أحسن الثياب: فقد أخرج مالك في موطئه عن نافع: (أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى) وهذا إسناد صحيح.

قال ابن القيم: (ثبت عن ابن عمر مع شدة اتباعه للسنة أنه كان يغتسل يوم العيد قبل خروجه) [زاد المعاد 1/442].

وثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أيضاً لبس أحسن الثياب للعيدين. قال ابن حجر: (روى ابن أبي الدنيا والبيهقي بإسناد صحيح إلى ابن عمر أنه كان يلبس أحسن ثيابه في العيدين) [فتح الباري 2/51].

 

ثانياً: يسن قبل الخروج إلى صلاة عيد الفطر أن يأكل تمرات وتراً: ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر من ذلك يقطعها على وتر؛ لحديث أنس رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يغدوا يوم الفطر حتى يأكل تمرات، ويأكلهن وتراً) [أخرجه البخاري].

 

ثالثاً: يسن التكبير والجهر به ـ ويسر به النساء ـ يوم العيد من حين يخرج من بيته حتى يأتي المصلى؛ لحديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله كان يخرج في العيدين.. رافعاً صوته بالتهليل والتكبير..) [صحيح بشواهده، وانظر الإرواء 3/123]. وعن نافع: (أن ابن عمر كان إذا غدا يوم الفطر ويوم الأضحى يجهر بالتكبير حتى يأتي المصلى، ثم يكبر حتى يأتي الإمام، فيكبر بتكبيره) [أخرجه الدارقطني بسند صحيح].

ومن صيغ التكبير، ما ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه: (أنه كان يكبر أيام التشريق: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله. والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد) [أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح].

 

رابعاً: يسن أن يخرج إلى الصلاة ماشياً؛ لحديث علي رضي الله عنه قال: (من السنة أن يخرج إلى العيد ماشياً) [أخرجه الترمذي، وهو حسن بشواهده].

 

خامساً: يسن إذا ذهب إلى الصلاة من طريق أن يرجع من طريق آخر؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق) [أخرجه البخاري].

 

سادساً: تشرع صلاة العيد بعد طلوع الشمس وارتفاعها. بلا أذان ولا إقامة. وهي ركعتان؛ يكبر في الأولى سبع تكبيرات، وفي الثانية خمس تكبيرات. ويسن أن يقرأ الإمام فيها جهراً بعد الفاتحة سورة (الأعلى) في الركعة الأولى و(الغاشية) في الثانية، أو سورة (ق) في الأولى و(القمر) في الثانية. وتكون الخطبة بعد الصلاة، ويتأكد خروج النساء إليها، ومن الأدلة على ذلك:

1) حديث عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر في الفطر والأضحى؛ في الأولى سبع تكبيرات، و في الثانية خمساً) [أخرجه أبو داود بسند حسن، وله شواهد كثيرة].

2) وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الجمعة والعيدين بـ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) و(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) [أخرجه مسلم].

3) وعن عبيدالله بن عبدالله أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل أبا واقد الليثي: ما كان يقرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضحى والفطر؟ فقال: (كان يقرأ فيهما بـ (قۚ وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) و (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ) [أخرجه مسلم].

4) وعن أم عطية رضي الله عنها قالت: (أُمرنا أن نَخرجَ، فنُخرج الحُيَّض والعواتق، وذوات الخدور -أي المرأة التي لم تتزوج- فأما الحُيَّض فيشهدن جماعة المسلمين ودعوتهم، ويعتزلن مصلاهم) [أخرجه البخاري ومسلم].

5) وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (شهدت صلاة الفطر مع نبي الله وأبي بكر وعمر وعثمان، فكلهم يصليها قبل الخطبة) [أخرجه مسلم].

6) وعن جابر رضي الله عنه قال: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيدين غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة) [أخرجه مسلم].

 

سابعاً: إذا وافق يوم العيد يوم الجمعة، فمن صلى العيد لم تجب عليه صلاة الجمعة؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اجتمع عيدان في يومكم هذا، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون إن شاء الله)[أخرجه ابن ماجة بسند جيد، وله شواهد كثيرة]

 

ثامناً: إذا لم يعلم الناس بيوم العيد إلا بعد الزوال صلوها جميعاً من الغد؛ لحديث أبي عمير بن أنس رحمه الله عن عمومة له من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (أن ركباً جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يفطروا، وإذا أصبحوا يغدوا إلى مصلاهم) [أخرجه أصحاب السنن، وصححه البيهقي، والنووي، وابن حجر، وغيرهم].

 

تاسعاً: لا بأس بالمعايدة، وأن يقول الناس: (تقبل الله منا ومنك).

قال ابن التركماني: ( في هذا الباب حديث جيد.. وهو حديث محمد بن زياد قال: كنت مع أبي أمامة الباهلي وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا رجعوا يقول بعضهم لبعض: (تقبل الله منا ومنك) قال أحمد بن حنبل: إسناده جيد) [الجوهر النقي 3/320].

 

عاشراً: يوم العيد يوم فرح وسعة، فعن أنس رضي الله عنه قال: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر) [أخرجه أحمد بسند صحيح].

 

الحادي عشر: احذر أخي المسلم الوقوع في المخالفات الشرعية التي يقع فيها بعض الناس من أخذ الزينة المحرمة كالإسبال، وحلق اللحية، والاحتفال المحرم من سماع الغناء، والنظر المحرم، وتبرج النساء واختلاطهن بالرجال.

واحذر أيها الأب الغيور من الذهاب بأسرتك إلى الملاهي المختلطة، والشواطئ والمنتزهات التي تظهر فيها المنكرات.

والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

 

* مقال للشيخ/ يوسف بن عبدالله الأحمد (بتصرف يسير)
وزارة الاوقاف و الشؤون الاسلامية - دولة الكويت - إدارة الإفتاء